الإسلام للمبتدئين|الجزء الأول|5-تمهيد عن صفات الله في الإسلام

سلسلة تعريفية بالإسلام من خلال عدة مقالات يصحبها مقاطع مصورة،نتناول هنا مقدمة توضيحية حول الصفات الإلهية في الإسلام.

يوليو 26, 2021 - 01:32
يوليو 26, 2021 - 01:43
 2

قد سبق لنا الحديث عن صفات الأنبياء الذين جعلهم الله واسطة البلاغ منه لنا، فسردنا صفاتهم التي ينبغي أن يتصفوا بها، ووضحنا الأمور التي لا يجوز اتصافهم بها.

نعود الآن للحديث عن الذات الإلهية فبعد أن وضحنا ذلك التناغم بين العقل ووجود الله فإننا اليوم نضع أمامك أيها القارئ أمورا لا يمكن أن نغفلها ونحن في بداية مسيرتنا للتعرف على الله تعالى من خلال سلسلتنا هذه: "الإسلام للمبتدئين"

كل ما يتعلق بالله هو غيب، فنحن لم  نر الله، لكننا أمام عقل يتناغم مع وجود صانع لهذا الكون، هذا الصانع كما قدمنا فيما مضى فإنه ليس جزءا من هذا الكون وإلا لاحتاج هو أيضا إلى صانع يصنعه، وذلك لأنه إن كان جزءا من الكون فلاشك أنه مادة أو طاقة، وقد اتفقنا أن أبسط قوانين المادة هو السببية أو الصانعية فلا يمكن تصور موجود من المادة ولا صانع أو موجد أو سبب له.

إذا عرفنا أن صانع الكون ليس من جنس مادة الكون هذه-أي أنه ليس مرتبطا في وجوده بالانفجار الكبير الذي هو أكثر النظريات ذيوعا في عصرنا كتفسير لنشأة الكون الذي نعرفه- فإن كل ما نتخيله بعقولنا عن الله ليس حقيقة بل هو محض خيال يفرزه العقل البشري بناء على المعارف المادية التي يتألف منها الكون حوله، وهذا المعنى نعبر عنه بالمقولة المشهورة لدى المسلمين: "كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك" لأن الله تعالى قال: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"

البشر وأفكارهم-ومنها الخيالات- كلها من نتاج الصانع سبحانه وتعالى، ولا يليق بالله ما يليق بالبشر.

فإذا ما سمعت الله يقول في القرآن عن نفسه:" هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما" فاعلم أن كلمة: "رحيم" في حق الله تختلف تماما في حقيقتها عن كلمة : "رحيم" في حق الإنسان.

فنحن رحمتنا نابعة من رقة القلب البشري المخلوق، بينما رحمة الله نابعة من كماله الإلهي..نحن رحمتنا قد تقودنا للظلم وإنكار الحق تعاطفا مع شخص ما، بينما رحمة الله لا يعتريها الظلم ولا النقص..نحن رحمتنا مخلوقة وحادثة_أي صارت موجودة بعد أن كانت معدومة- بينما الرحمة التي هي صفة الله أزلية لا  أول لوجودها وليست مخلوقة كما أن ذات الله ليست مخلوقة ولا  أول لوجودها كذلك..لأن وجود أولية لذات الله معناها أن وجود الله كان يسبقه عدم، ثم فجأة بدأ وجود الله، أي أن هذا الخالق قد احتاج لشيء يتسبب في إخراجه من حيز العدم إلى حيز الوجود، ومن كان لا يملك وجود نفسه فإنه لن يملك وجود غيره، كما أن من احتاج في وجوده لشيء آخر فهو ناقص دون ذلك الشيء والنقص لا يمكن أن يعتري الله تعالى بحال من الأحوال.

إذن لا يمكننا أن نقارن ذواتنا بذوات الله ولا صفاتنا بصفات الله، فنحن لدينا علم والله تعالى موصوف بالعلم، لكن حقيقة علمه تخالف حقيقة علمنا، فنحن علمنا يأتي مثلا بالمذاكرة والتعلم والتجربة، ولذا نسميه :"العلم المُكْتَسَب" بفتح السين، أي الذي اكتسبناه بعد أن لم يكن موجودا، فهو مسبوق بالجهل قبله، بينما علم الله تعالى أزلي ليس مكتسبا ولم يسبقه جهل.

وهكذا أخي المسلم نصنع في كل ما يتعلق بالله من صفات.

حين نقرأ قوله تعالى: "يد الله فوق أيديهم" أو قوله تعالى:" وهو العلي العظيم" أو قوله تعالى: "ولتصنع على عيني" فإننا نرى هنا ألفاظا هي في عالمنا عبارة عن جوارح-أعضاء وأدوات- لكنها في حق الله ليست كذلك، فكيف نفهمها أخي القارئ؟

نقول: إننا نؤمن بالله بما وصف الله به نفسه، ولكننا ننزه الله عن مشابهة خلقه، فالله ذكر العين فنؤمن بها كما جاءت ولكننا ننزه الله فيها عن مشابهة البشر، فنؤمن بالله وبما جاء عن الله وفق مراد الله، وننزه الله عن المعاني الظاهرية المتبادِرَة لأذهان المُشَبِّهين.

فالمعنى الذي يتبادر لنا عندما نسمع كلمة: "عين" هو هذه العين الباصرة المخلوقة الآدمية، فهذا المعنى مُحال في حق الله.

يقول الإمام الطحاوي رحمه الله: "ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثلِ قول الكفار انزجر، وعَلِمَ أنه بصفاته لا يشبه البشر"

ولهذا درج المسلمون على التعامل مع الصفات الإلهية من هذا القبيل بمبدأ: "الإقرار والإمرار" فَنُقِّرُّ بما وصف الله به نفسه ونؤمن به، ولكننا نُمِرُّه دون أن نتخيل حوله شيئا بخيالاتنا البشرية القاصرة.

ولمزيد من الفائدة أضع بين يديك هذا النص الرائق من تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله فيقول عن مثل هذه الصفات: " وأما قوله تعالى: "ثم استوى على العرش" فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضعَ بَسْطِها، وإنما يُسْلَكُ في هذا المقام مذهبُ السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المُتَبادِرُ إلى أذهان المشبهين مَنْفِيٌّ عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه...فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى"

لدينا هنا عبارة جميلة تعلمناها ونحن في المدرسة في المرحلة الإعدادية-ولازلت أحفظها وانا أكتب هذه الكلمات- تقول هذه العبارة:"يجب لله تعالى إجمالا كل كمال يليق بذاته الله المقدسة، وكمالات الله تعالى لا تتناهى، ولا يحصيها العَدُّ، ولا يحيط بها علمنا"

ثم إذا أردنا الحديث عن صفات الله تفصيلا-كما سيأتي- فإننا بعد أن تكلمنا عن الوجود الإلهي، سنتكلم عن صفات الوحدانية والقدم والبقاء والمخالفَة للحوادث والعلم والسمع والبصر والقدرة والإرادة والكلام والحياة.

هذه الصفات المذكورة هي التي سنتكلم عنها تفصيلا وذلك لا يعني أن الله ليس موصوفا بصفات أخرى، فقد سبق لنا القول أن كل كمال فإنه ينبغي أن يكون الله مُتَّصِفاً به، لكننا سنتكلم بالتفصيل فقط على هذه الصفات إن شاء الله تعالى.

ولعلنا في المقال القادم نبدأ بالكلام حول صفة الوحدانية لله تعالى.

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow

دكتور/ عبدالله رشدى باحث في شؤون الأديان والمذاهب بالأزهر الشريف، والمتحدث الإعلامي السابق باسم وزارة الأوقاف.