هل أوصى الرسول بالخلافة لعلي ؟

حوار هادئ مع إخواننا الشيعة حول تلك القضية التي مزقت الأمة قرونا..

يوليو 18, 2021 - 00:05
يوليو 24, 2021 - 16:38
 4

هذا الخلاف الذي ضربت صدوعه بنيان الأمة الإسلامية من الجذور حتى نبتت بسببه ثماره حسنة المظهر قبيحة المخبر، هذا الخلاف هو الذي مزق المسلمين كل ممزق منذ العصور الأولى واتخذه أهل النفاق بوابة لتسريب الشقاق.

هل أوصى رسول الله بالخلافة لسيدنا علي من بعده؟

هل لدينا نصوص واضحة قاطعة الدلالة بذلك؟

هل أجمع المسلمون على أن رسولهم قد أوصى بالإمامة العظمى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه؟

هذا ما نحن بصدد بيانه.

إن رسول الله انتقل إلى الرفيق الأعلى ولم يوص في هذا الباب بشيء.

بل إنه عليه الصلاة والسلام كان قد هم أن يوصي بذلك لأبي بكر، ولا أدل على ذلك من نص البخاري في صحيحه عن عائشة قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه:ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى، ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر"

فالظاهر من هذا النص  ان رسول الله أراد إيصاد هذا الباب بذلك الكتاب ليوصي فيه بإمامة أبي بكر رضي الله عنه لا بإمامة علي.

بل إن علي بن أبي طالب نفسه قد شهد بذلك  في قضية بيعة علي الثانية لأبي بكر بعد وفاة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، كما في صحيح مسلم فلو كان لعلي عهد من رسول الله لما سكت عنه وبايع أبا بكر.

تقول الرواية: "ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ مِنْ حَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَذَكَرَ فَضِيلَتَهُ وَسَابِقَتَهُ ، ثُمَّ مَضَى إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا : أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ فَكَانَ النَّاسُ قَرِيبًا إِلَى عَلِيٍّ حِينَ قَارَبَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ"

فأين هذا الحق المنصوص عليه في كتب السنة بأحقية علي في الإمامة العظمى بعد انتقال سيدنا رسول الله إلى الرفيق الأعلى!؟

ثم انظر إلى هذا النص من كلام سيدنا علي وابنه محمد بن الحنفية في البخاري: " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ عُمَرُ وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ ثُمَّ أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ"

أما الرواية التي نصها أن رسول الله قال: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَوْلَايَ , وَأَنَا وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ " ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: " مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ , اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالِاهُ , وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ"

فالمراد منها فقال الطحاوي: "فَقَالَ قَائِلٌ: فَمَا مَعْنَى: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ "؟ فَقِيلَ لَهُ: الْمَوْلَى هَا هُنَا هُوَ الْوَلِيُّ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] وَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِيمَا رَوَيْنَا , فَمَنْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيًّا كَانَ لِعَلِيٍّ كَذَلِكَ , وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهمْ , بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ , وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ"

فمثلا، الله يقول: " مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير" فهل المراد هنا بالمولوية للنارهي الخلافة!؟

ولو فرضنا أنها في حق سيدنا علي تعني الخلافة، فنص الحديث دال في انتهاء مولوية علي، لأن المراد بها الخلافة وقد دامت سنة ثم انتهت، فعلى قول إخواننا من الشيعة لم يعد سيدنا علي مولى لنا بهذا المعنى السياسي.

إذن هذا هو موقف السنة من هذه القضية..باختصار لو علم المسلمون لعلي عهدا من رسول الله لما بايعوا أبا بكر.

بقي أن هناك نصا يستدل به الشيعة على أحقية سيدنا علي بالخلافة  ويقولون هل تريدون نصا أصرح من هذا النص الذي ورد في السنة لابن أبي عاصم :"أنت مِنِّي بمنزلةِ هارونَ من موسى أَلَا إنك لَسْتَ نبيًّا أنه لا ينبغي أن أذهبَ إلا وأنت خليفتي في كلِّ مؤمنٍ مِن بعدي"؟

والجواب أن قصة هذا النص هي أن رسول الله كان قد استعد للخروج في غزوة تبوك، فماذا حدث؟

يزودنا الإمام الطبراني بقصة هذه الرواية التي عند ابن أبي عاصم في السنة، فقدروى الطبراني القصة بأكملها فقال: "ثم خرج بالناس في غزاة تبوك فقال له علي: أخرج معك ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لا، فبكى علي فقال له نبي الله صلى الله عليه و سلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي"

فكما نرى، النص قد ورد في سياق استخلاف رسول الله لعلي على المدينة حال خروجه في غزوة تبوك، فلماذا نقتطع النص من سياقه ونجعله دليلا على  في محل النزاع في الإمامة العظمى؟

ثم إن عليا لم يفهم من هذا النص أنه عهد من رسول الله إليه بالإمامة العظمى، وقد بين ذلك ما ذكره  الحافظ الذهبي موقف فأورد بسنده عن الحسن قال : "لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء وقيس بن عباد فقالا له : ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهده إليك؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال : أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا والله، إن كنت أول من صدق به فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردي هذا"

إذن سيدنا علي رضي الله عنه ينفي قضية الاستخلاف هذه التي يصر عليها إخواننا من الشيعة.

ولعل قائلا يقول: إن هذا في كتبكم أيها السنة لكن الموقف الشيعي مغاير، فهنا أود أن أقول له إن موقف سيدنا علي في كتب الشيعة مغاير لما يدعيه الشيعة اليوم، والدليل ما ورد في نهج البلاغة:

1- قوله عليه السلام: "والله مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلافَةِ رَغْبَةٌولا فِي الْوِلايَةِ إِرْبَةٌ ولَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَاوحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا"

2- قوله عليه السلام: "دَعُونِي وَ اِلْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَ أَلْوَانٌ لاَ تَقُومُ لَهُ اَلْقُلُوبُ وَ لاَ تَثْبُتُ عَلَيْهِ اَلْعُقُولُ وَ إِنَّ اَلآْفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ وَ اَلْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ . وَ اِعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ وَ لَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ اَلْقَائِلِ وَ عَتْبِ اَلْعَاتِبِ وَ إِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ وَ لَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَ أَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وَ أَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً"

3-قوله عليه السلام: "إِنِّي لَمْ أُرِدِ النَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِي ولَمْ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِي"

4-قوله عليه السلام في معرض حجاجه لطلحة والزبير: "فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ عَلَى أَوْلَادِهَا تَقُولُونَ الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا وَ نَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا"

5-قوله عليه السلام: "«وَ بَسَطْتُمْ يَدِي فَكَفَفْتُهَا ومَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَيَّ تَدَاكَّ الإبِلِ الْهِيمِ عَلَى حِيَاضِهَا يَوْمَ وِرْدِهَا حَتَّى انْقَطَعَتِ النَّعْلُ وسَقَطَ الرِّدَاءُ ووُطِئَ الضَّعِيفُ"

6-قوله عليه السلام لمعاوية: "أما بعد .. فإنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فان اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فان أبى قاتلوه على اتباع غير سبيل المومنين وولاه الله ما تولى"

فكما ترون، هذه النصوص هي من كلام سيدنا علي في نهج البلاغة كما يقول إخواننا الشيعة، وأنتم لا ترون فيها حرفا واحدا لسيدنا علي يقول إنه مستخلف من رسول الله وإن أبابكر وعمر وعثمان قد اغتصبوا خلافته، بل هو يقول للمسلمين في وقته أنا لكم وزيرا خير مني لكم أميرا، فلو كان عنده عهد من الله ورسوله أكان يتلكأ في القيام بحق الله ورسوله؟ أكان يتهرب ويتورع عن تنفيذ مراد الله ورسوله!؟

سبحانك هذا بهتان عظيم! حاشاه رضي الله عنه أن ينكص على عقبيه ويستظهر أمر رسول الله واستخلاف الله له بعد رسوله!

فهل بعد كل هذه النصوص يصلح الاحتجاج بالنص الوارد في الخروج لغزوة تبوك على أن رسول الله قد عهد بالإمامة العظمى لسيدنا علي؟

أفلا تتفكرون؟

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow

دكتور/ عبدالله رشدى باحث في شؤون الأديان والمذاهب بالأزهر الشريف، والمتحدث الإعلامي السابق باسم وزارة الأوقاف.