الأشاعرة والصفات الخبرية والشيخ البشبوري!

توضيح حول حقيقة مذهب الأشاعرة من الصفات الخبرية.

يوليو 27, 2021 - 05:12
أغسطس 31, 2021 - 12:18
 0
الأشاعرة والصفات الخبرية والشيخ البشبوري!
أحببت صياغة هذا الموضوع في صورة سؤال وجواب مع شيء من الدعابة ، وهأنذا أشرع في المراد ومن الله العون وبه السداد.
وفي آخر المقال ستجد رابطاً لڤيديو بعنوان: "أين الله؟" لمن أحب مشاهدتَه؛ فقط عليك الضغط على كلمة: "للمزيد إضغط هنا" الموجودة في آخر المقال.
س: أين الله؟
ج: في السماء.
س: وهل يجوز السؤال عن الله بأين؟
ج: نعم؛ يجوز كما ورد في النص، شريطةَ ألا يقترن به اعتقادُ تشبيه أو تجسيم.
س: لكن هذا الحديث شاذ ضعيف؟
ج: هذا خطأ فاحش من قائله، فقد تتابع الأئمة على صحةِ هذا الحديث، وبعد صحته فلك فيه الإقرار والإمرار أو التأويل، والتأويل مُختَلَفٌ في جوازِه، لكنَّ الذي لن يُنكرَه عليك أحدٌ هو الإقرار والإمرار مع التنزيه عن التشبيه..الزموا النصوصَ تسلَموا..وتَغْنَموا.
تتابعت الأمةُ على صحة رواية حديث الجارية-الذي فيه السؤال عن الله بأين- فقد رواه الإمام مسلم، بل أورده مالكٌ في "المُوَطَّأ" وكذلك رواه الشافعيُّ في "الأمِّ" ثم جاء بعض المتأخرين اليومَ فزعم أنه ضعيف!
أنصدق بعض المتأخرين ولا نُصدق مالكا والشافعي ومسلما وغيرهم!؟
غالب من يتكلم في هذه المسائل لم يقرأ حتى المقدمات السنوسية، ولا يعرف شيئاً عن حقيقة كلام الأشاعرة في هذه المسائل إلا ما حفظه من بعض صغار المشايخ الذين لقنوهم أنَّك إذا أردتَ أن تكون أشعرياً فليس أمامك إلا تأويل نصوص الصفات!
مع أن الإمام النووي وغيره قد تكلموا في هذه القضية-قضية السؤال بأين الله- وقالوا إنها شأنُها شأنُ بقية نصوص الصفات: الإيمان بما ورد دون خوض في معناه مع التنزيه أو التأويل، فقال رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث في مسلم: "قوله صلى الله عليه وسلم: أين الله، قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة، هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان تقدم ذكرهما مرات في كتاب الإيمان، أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات، والثاني: تأويله بما يليق به.." 
فأين من يقولون إنه لا يجوز السؤال عن الله بأين!؟  أين من يقولون الحديث ضعيف!؟ أين هم من كلام الإمام النووي!؟
وهذا الإمام الخطابي رحمه الله تعالى يقول في معالم السنن: "هذا السؤال عن أمارة الإيمان وسمة أهله، وليس بسؤال عن أصل الإيمان وصفة حقيقته، ولو أن كافراً يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الذي تكلمت به الجارية لم يصر به مسلماً حتى يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتبرى من دينه الذي كان يعتقده".
إذن يصح السؤال عن الله بأين، والحديث صحيح لا مطعن فيه كما زعمه بعضهم!
رحم الله الإمام عبد الغني المقدسيَّ حين قال: "ومن أجهلُ جهلاً وأسخفُ عقلاً وأضلُّ سبيلاً ممن يقول إنه لا يجوز أن يُقالَ أين الله؟ بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله أين الله؟"
المحذور أن تسأل هذا السؤال معتقداً أنَّ لله مكاناً يحل فيه-حاشاه- أمَّا أنْ تسألَ كما ورد في النص وتسكتَ عما وراءَ ذلك فهذا جائز، ومن ادَّعى حرمةَ هذا السؤال فهو مُطالَبٌ بنقل معتَمَدِ المذاهب الأربعةِ على تحريم هذا السؤال مجملاً هكذا دون استفصال!
س: ما هو قولك في اليد والاستواء ونحوها مما هو مضاف إلى الله في الكتاب والسنة؟
ج: قولي هو ما قاله سيدنا الإمام الأشعري رحمه الله: "وأن الله استوى على على عرشه كما قال..وأن له وجها كما قال..وأن له يدا كما قال..وأن له عينا بلا كيف" نقلا عن تبيين كذب المفتري للإمام ابن عساكر.
 
س: لكننا تعلمنا أن ذلك قول الوهابية!؟ هل غيرت معتقدك ياشيخ!؟
ج: ضحكوا عليكم من أفهموكم أن هذا قول الوهابية، وضحك عليك من أفهمك أنني أغير كلامي.
 
س: إذن ما الإشكال؟
ج: الإشكال أن تنسب إلى الله هذه الصفات مع اعتقاد الجسمية أو الحيز والجهة والمكان ونحوها من الألفاظ المبتدعة والمعاني الفاسدة، كمن يعتقد أن يد الله جارحة أو ان استواءه تعالى هو تمكن وجلوس على العرش، أو أن علوه تعالى في السماء بمعنى حلوله فيها أو جلوسه عليها إلى غير ذلك من المعاني الباطلة.
 
س: لكن الأشاعرة يفوضون أو يؤولون؟ 
ج: صحيح.
 
س: لكنك هنا لم تفوض ولم تؤول؟
ج: غير صحيح.
 
س: إزاي يا جدع؟ دا الشيخ البشبوري قايل لي إن دا كلام الوهابية!؟
ج: هذا لأن الشيخ البشبوري لا يفهم.
 
س: اشرح؟
ج: التفويض معناه رد العلم بالقول إلى قائله، فحين نقول إن لله يدا كما قاله الإمام الأشعري في النص الموجود أعلى البوست، فإننا جعلنا اليد صفة وفوضنا العلم بحقيقتها لقائلها، فكما أن حقيقة ذات الله مفوضة بالإجماع فكذلك حقائق صفاته، نتعرف إليه بآثار تلك الصفات لا بحقائق الصفات لأن معرفتنا بها محالة، وهذا التفويض له صورتان في المذهب الأشعري.
 
س: وما هما؟
ج: الصورة الأولى أن تقرأ النص دون أن تضيف لله شيئا فتقرأ مثلا آية الاستواء ولا تقول: " الله استوى على عرشه ولا تنفي ذلك".
الصورة الثانية: أن تقرأ النص فتثبت الاستواء ونحوَه صفاتٍ لله تعالى هو أعلمُ بمراده منها.
 
س: وأين الدليل على هذا من كلام الأشاعرة؟
ج:جاء في شرح المقدمات السنوسية عن مذاهب الأشاعرة في تلك الصفات: "الأول: وجوب تفويض معنى ذلك إلى الله بعد القطع بالتنزيه عن الظاهر المستحيل وهو مذهب السلف..المذهب الثاني: جواز تعيين التأويل للمشكل وهذا مذهب إمام الحرمين وجماعة كثير من العلماء..المذهب الثالث: حمل تلك االمشكلات على إثبات صفات لله تعالى تليق بجلاله وجماله لا يعرف كنهها، وهذا مذهب شيخ أهل السنة الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى ورضي عنه"
 
س: وهل هناك من الأشاعرة أحد غير الإمام الأشعري والسنوسي جعل هذه الإضافات صفات لله؟
ج: نعم.
 
س: مثل من؟
ج: الإمام الباقلاني في الإنصاف فيقول: "فنص تعالى على إثبات أسمائه وصفات ذاته، وأخبر أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات..واليدين اللتين نطق بإثباتهما له القرآن، في قوله عز وجل: "بل يداه مبسوطتان"..وأنهما ليستا بجارحتين، ولا ذوي صورة وهيئة، والعينين اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام..وأن عينه ليست بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس..وأن الله جل ثناؤه مستو عن العرش.."
 
والإمام البيهقي إذ يقول في الأسماء والصفات: "وَمِنْهُ مَا طَرِيقُ إِثْبَاتِهِ وُرُودُ خَبَرِ الصَّادِقِ بِهِ فَقَطْ كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنِ فِي صِفَاتِ ذَاتِهِ , وَكَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ وَالنُّزُولِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ , فَثَبُتَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ لِوُرُودِ الْخَبَرِ بِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُ التَّشْبِيهُ"
 
وهذا هو مذهب السادةِ الحنابلةِ كذلك رضوان الله عليهم.
س: ما الذي تفيده هذه النصوص؟
ج: تفيدك معرفة بمذهب الأشاعرة وأنه ليس مقتصرا فقط على التأويل، وأن إطلاق لفظ "صفة" على العلو والاستواء واليد ونحوها هو قول صحيح عند السلف والأشاعرة لا يرده إلا قاصر المعرفة بليد الذهن.
س: هل لديك أقوال أخرى؟
ج: نعم، ابتعد عن الشيخ البشبوري ومن شابهه من مشايخ الفتن، وكن أشعريا حقا..مُلتزِماً للأدب مع أقاويل السَّلَفِ، فمن لم يَسَعْه قولُ السَّلَفِ فلا وَسَّعَ اللهُ عليه.

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow

دكتور/ عبدالله رشدى باحث في شؤون الأديان والمذاهب بالأزهر الشريف، والمتحدث الإعلامي السابق باسم وزارة الأوقاف.