قسوة العقوبات في الإسلام
الحدود الإسلامية..لماذا بهذه القسوة!؟
قبل أن ألج إلى لب القضية دعوني أطرح عليكم هذه القصة القصيرة لنفكر فيها سويا ولنتأملها جيدا:
رجل ادخر ماله طيلة حياته في خزانته في البيت ليستطيع القيام بعملية القلب المفتوح لابنه الصغيرالذي لم يهبه الله سواه، وقبل يوم إجراء العملية، وبعد موافقة الطبيب وتحديد التكاليف وترتيب الإجراءات، وبعدما بدأ الأمل يلوح في الأفق لوالد الطفل وأمه، يأتي ذلك اللص الحقير الذي يريد جني المال بطريق يسير دون اكتراث لتلك الظروف التي عاناها الأب لجمع المال، ودون اهتمام بتلك الحال التي يعيشها الأب على أعصابه منتظرا شفاء ولده الوحيد..يأتي ذلك اللص فجأة ليسرق المال من حرزه وخزانته، فتتوقف كل تلك الأحلام وتتلاشى، ويواجه الوالد المصير المحتوم بوفاة ولده الوحيد الحبيب!
ثم السارق يأخذ المال ليتنزه به وليبني له سعادة على أشلاء الأحلام الواعدة التي مزقها بفعلته الوضيعة تلك وجعلها في مهب الريح!
الآن عرفت أيها القارئ ما أود طرحه بين يديك وسوق عقلك إليه..
إن الله لما فرض تلك العقوبات فإنه فرضها لمنع حدوث الجريمة واستشرائها، فالسارق أو القاتل أو قاطع الطريق الذي يعلم أنه في الشرع لو قبض عليه فإنه سيعاني من ألم بقية عمره..سيفقد طرفا من أطرافه ولربما فقد حياته كلها نتيجة فعلته القبيحة.
إنني على يقين بأن مثل هذا المجرم سيفكر ألفألف مرة قبل أن يقدم على جريمته لأن العقوبة رادعة ومخيفة، ولا يمكن تحملها.
بينما لو علم المجرم أن هذه العقوبة يمكن تحملها فإنه مهما بلغ المبلغ الذي سرقه فسيخبؤه في مكان قرار مكين حتى يقضي عقوبته في السجن آكلا شاربا نائما، ثم يخرج بعد انقضاء المدة متنعما بذلك المال المسروق يخرج لسانه للمسروقين ببجاحة ولا أحد يستطيع فعل شيء له لأنه قد قضى ما عليه من عقوبة..خسر بضعة أشهر أو سنوات من عمره لكنه سرق ما يمتعه ويعوضه بقية عمره عن تلك السنوات التي قضاها مقيد الحرية.
هذا نموذج واحد فقط من ضمن نماذج عدة.
بغض النظر عما سبق سرده، فإن العقل الذي يرى وحشية في هذه العقوبات إنما يرى ذلك بسبب قصور النظرة، فلو أنه استحضر عظم الجناية التي يقوم بها اللص لما تعاظمت عنده العقوبة التي يفرضها الشارع على ذلك اللص.
لو استحضر ذلك العقل أن الكون خلق الله وأن العقوبة أمر الله، لأدرك أنه لا يتعارض أمر الله مع خلق الله لأن الله أدرى بما تنصلح به سرائر الخلق، كيف وهو القائل: " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"
فما نراه نحن وحشية هو في الحقيقة كمال العدل ونهاية القسط، لأنه صدر عن الشارع العليم الحكيم الخبير، فهو من خلق النفوس وهو العليم ببواطنها وكمائن أسرارها..هو وحده من يملك العلم الشامل والكافي بما يصلح ما لا يصلح.
ليس من المنطقي أن نعدل عليه ولا أن نعتقد عدم صلاحية شرعه، لأننا ننطلق من عقل تختلجه الأهواء والمشاعر المتضاربة، وهذا العقل هو صنعة ذلك الخالق، والمصنوع لا يمتلك من العلم والحكمة ما يستطيع به أن ينتقد أحكام صانعه.
نتذكر أن الله مع ذلك قال: "يريد الله بكم الير ولا يريد بكم العسر" فما فرضه الله هو غاية الير ولو ظنناه عسرا، والله يحكم لا معقب لحكمه، وليتذكر المسلم أن الإسلام هو مطلق التسليم لله، فالله قال: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمر أن يكون لهم الخيرة من أمرهم"
وقال في موضع آخر: "إنما كان قول المؤمنين فإذا دعوا إلى الله ورسولله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا"
والاعتراض على شرائع الله كفر وخروج عن ملة الإسلام التي هي مبنية على قوله تعالى: "وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"
أخيرا أيها القارئ الكريم: لا تلم الشارع على صرامة العقوبة..بل عليك أن تلوم الشخص الذي ارتكب الجريمة وهو يعلم مدى صرامة تلك العقوبة.
ما هو رد فعلك؟






