ابن تيمية وإنكار المجاز
جولة جديدة في فلسفة ابن تيمية
بعض من ينقد ابن تيميةَ لا يصل لعمقِ فكرتِه، ولا يكاد يفهم الرؤية التيمية أو الاصطلاح التيمي، فتجده يُحاكِم ابنَ تيمية لاصطلاحات المتكلمين التي ينازع ابنُ تيمية في دلالاتها أصلاً بل في مُجرَّدِ وضعِها.
ومثال ذلك: إنكاره المجاز.
فابن تيمية يقول لك: إن الأسد حقيقة في الحيوان المفترس وحقيقة في الرجل الشجاع.
واليد حقيقة في الجارحة وحقيقة في القدرة وحقيقة في العطاء ونحوها.
إلا أن الألفاظ عنده إنما تُحمل على معانيها بحسب سياقاتها.
فمثلا إن قلتَ: رأيتُ أسداً يقاتل في سبيل الله، فإن دلالة السياق تُحتِّمُ أنَّ المرادَ إنما هو: رأيتُ رجلاً شجاعاً يقاتل في سبيل الله.
وإن قلتَ: رأيتُ أسداً في الغابة تلتف حولَه اللِّباءُ وقد اصطاد لهم غزالةً، فإن دلالة السياق تحتم أن المراد هنا هو الحيوان المعروف.
وإن قلتَ: وضعتُ يدي في جيبي، فالمراد هنا باليد إنما هو اليد الجارحة.
وإن قلتَ: قضاء أمرِك بيدي، فهو دال على قدرتِك على قضاء شيءٍ ما.
الحاصلُ أنَّ كل ذلك عند ابن تيمية يسمى حقيقة.
فهو لا ينكر تعدد دلالة اللفظ الواحد وإنما يُنكر تسمية شيء من تلك الدلالات مجازاً.
وهنا ننتبه لأنه إن قال: صفات الله على الحقيقة فإنه يعني بها أنها ثابتة لله.
وهذا وإن كان يوهِمُ أن المراد عنده بكلمة (الحقيقة) هو ما يريده جمهور المتكلمين والنُّحاةِ والبلاغيين من ذات الكلمة وهو المعنى المعهود المتبادر بالوضع الأصلي الأول..وهذا تشبيه وتجسيم بلا شك.
إلا أن ابن تيمية يبادر بنفي ذلك فتراه يقول: "وهي-صفاته- ليست شيئاً من جنس المخلوقات"
فالإشكالية هي في كون ابن تيمية يصف اليد والاستواء ونحوها بأنها صفات تُجرَى على ظاهر سياقِها اللغوي..أي ينبغي الحمل على المعنى الظاهر من السياق..والمعنى الظاهر من السياق هو الجارحة مثلاً، وهذا ما جعل المتكلمين يرفضون طرحَه ويستبشعونه.
إلا أنه كما مر بنا..ينفي أن يكون مرادُه بالظاهرِ هو الحقيقة اللغوية المعهودة لنا التي نسميها بالجوارح.
لذا فإنه لا يُمكن لباحثٍ يتحرى المنهج العلمي أن يصف ابن تيمية بالتجسيم هكذا مطلقاً.
وهذا ما قرره العلامة البوطي وسيدنا الشيخ علي جمعة وغيرهما من الأشاعرة المعاصرين المنصفين.
نعم؛ هناك عبارات ترميه بالتجسيم ونحوه لبعض العلماء كالهيتمي وغيره.
لكن هذا اجتهادهم في فهم كلام الرجل، في ذلك الزمن الذي كانت الأمور فيه محتدمة..لكن بعد أن هدأ الرُّوع وسكنت النفوس، وتقادم الزمان، فإننا مع إعادة قراءة تراثه بنفسٍ هادئةٍ..لا نكاد نجد فيه شيئاً يصلح جعلُه يقيناً في كون الرجل مجسماً.
والله يعلم قد عكفت على تراثه قرابة عشر سنوات في مرحلة الماچستير حيث كان جزءاً من رسالتي..والله يشهد ما وجدتُ له ما يمكنني معه رميه بالتجسيم صراحةً..نعم له عبارتٌ توهم ذلك بلاشك، لكنها ليست صريحةً ولا يمكن الاتكاء عليها في اتهام الناس في عقائدهم.
ومع أنني أختلف مع طرحه في باب الصفات وأرفض مخالفتَه للاصطلاحِ في باب المجازِ، إلا أنني أدين الله بأن الرجلَ بريءٌ من تُهمةِ التجسيم.
ما هو رد فعلك؟