الإسلام للمبتدئين|الجزء الأول|2-العقل والأنبياء
سلسلة تعريفية بالإسلام من خلال عدة مقالات يصحبها مقاطع مصورة. نتناول هنا قضية وجود الانبياء.
بعدما تناولنا في المقال السابق موقف العقل اللبشري من وجود الإله وذكرنا أن العقل إذا تجرد في بحثه سيتوصل لفكرة واضحة هي أن وجود الإله أمر لا يمكن للعقل أن يراه مستحيلا أو مرفوضا، بل العقل سيجد نفسه بعد النظر والتفكر قائلا بهذه الفكرة التي بدونها لن يكون للكون وجود أصلا.
إنني أريد أن أصل القارئ بما مضى فلا بأس أن أذكر دليلا من الأدلة على وجود الله كتذكير بما مضى فأقول:
إن هذه الموجودات التي أمامنا إما أن تكون أزلية لا بداية لها، وإما أن تكون مصنوعة، أي لها بداية.
الفرض الأول يرفضه الواقع والعلم، أما الواقع فلأننا نرى الأمور توجد وتعدم، والأزلي لا أول لوجوده.
وأما العلم فلأنك لو سألت علماء الكون لأخبروك أن للمادة الكونية عمرا وبداية هو ما يزيد عن ثلاثة عشر مليار سنة.
إذن فالكون الذي أمامنا ليس أزليا، فيبقى لنا الخيار الثاني وهو أن الكون مصنوع وله وبداية.
الشيء المصنوع يحتاج إلى سبب أو فاعل حتى يكون موجودا، هذا السبب أو الفاعل إما أن يكون غير محتاج في وجوده لموجد آخر، وإما أن يكون محتاجا في وجوده هو أيضا لصانع أو موجد، بالتالي سندخل في دائرة من تسلسل الصانعين أو الموجدين بلا نهاية،وهو ما يؤدي لاستحالة وجود الكون أصلا، وحيث إن الكون بالفعل موجود فإنه لا يمكن أن نقبل فكرة تسلسل الصانعين أو الفاعلين لأنها ستقودنا لنتيجة خلاف الواقع، ستقودنا لنتيجة عدم الكون الذي هو بالفعل موجود وليس عدما.
إذن ليس أمامنا إلا الاختيار الأول وهو أن هذا الفاعل أو الصانع هو ليس محتاجا في ووده إلى شيء آخر بل وجوده من ذاته لأنه ليس جزءا من ذلك الكون الذي هو مادة وطاقة والذي يخضع لقانون السببية والصانعية.
هذا الصانع هو ما يطلق المسلمون عليه اسم "الله" فهو الموجد والصانع لهذا الكون، وهو الذي لا يحتاج في وجوده لصانع آخر لأنه ليس جزءا من الكون.
قد يقول قائل: ولماذا ليس هذا الإله جزءا من الكون؟ والجواب هو أنه لو كان جزءا من الكون لكان محتاجا لصانع آخر، وصانعه سيحتاج لصانع آخر، وهكذا..
لماذا؟ لأنهم أجزاء من الكون فهم خاضعون لقوانينه..وهنا سنقع في أسر فكرة التسلسل الباطلة كما بيناه سابقا.
ولتوضيح قضية التسلسل فنضرب هذا المثال المشهور وهو: جندي أطلق الرصاص من سلاحه، لكن هذا الجندي يتوققف فعله على أمر القائد المباشر فوقه، والقاد الذي فوقه يتوقف صدور الأمر منه على قائد فوقه..وهكذا.
فلو قلنا إنه لا نهاية لسلسلة القادة هذه فإنه لن يصدر الأمر للجندي أبدا بإطلاق الرصاص، لكن الواقع يقول إن الجندي قد أطلق الرصاص، إذن هناك قائد أعلى تصدر منه الأوامر بلا تسلسل فليس فوقه قادة آخرون..بهذا المثال يتضح المراد من التسليل ولماذا هو ضد الواقع.
أخي القارئ: هذا الصانع للكون الذي نظمه وفق هذه القوانين البيولوجية والكيميائية والفيزيائية، هو صانع حكيم عليم بحقائق الأمور..العقل إذا نظر وتأمل فإنه سيرفض تلك الفكرة التي تقول إن صانع الكون قد صنعنا وصنع هذا النظام المحكم الدقيق ثم ترك الإنسان ذلك الكائن العاقل بين هذه المخلوقات..تركه مع هذا العقل في هذا الكون يسير كالبهائم بلاهدف..فقط يأكل ويشرب ويلهو ويفسد ثم يموت ثم تنتهي الحياة!
العقل لا يقبل هذه الفكرة العبثية..بل العقل دوما سيظل يبحث عن تلك الرسالة التي لأجلها خلقه الإله، والتي لابد وأنها سامية في مضامينها، حتى يستطيع الإنسان تحديد مساره في هذا الكون.
إن غياب الرسالة من الصانع معناها أنه لا يوجد معيار!
نعم لا يوجد معيار، فكيف لنا أن نعرف الخير والشر والصواب والخطأ والأخلاق الحميدة من غيرها ونحن لا نمتلك مصدرا معصوما يصلح لنا كدليل نعتمد عليه؟
سنبقى أمام المصادر البشرية التي تحتمل الهوى والتميول والرغبات والأهواء..الحقيقة سنبقى متخبطين في حياتنا..فما سيقبله بعضنا بدعوى المدنية ربما يرفضه الآخرون بحجج أخرى.
لذا نحن محتاجون لهذا النبراس وهذا القبس النوراني الذي به ينصلح حال عالمنا وتنضبط به معايير أفعالنا..هذا النور هو الوحي الذي يرسله الله لنا من خلال الأنبياء.
أيها القارئ: إنك في الإسلام أمام منظومة عقلانية راسخة، فليس في الإسلام ما يناقض العقل، نعم هناك أمور لا يعرفها الإنسان ولم يرها، لكنها ليست ضد العقل، لأن العقل صنعة الله ويستحيل أن تتناقض رسالة الله مع صناعة الله، تدبر قول الله تعالى: "ألا له الخلق والأمر" فنحن خلقه، والوحي أمره ولا يتعارض أمر الله مع خلق الله لأن الكل من مصدر واحد، قال الله: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"
لكن هؤلاء الأنبياء كيف نتعرف عليهم وكيف نميز بين الصادق وبين الكذاب مدعي النبوة؟
هذا ما سنتطرق له في المقال القادم إن شاء الله.
ما هو رد فعلك؟






