الإسلام للمبتدئين|الجزء الأول|6- وحدانية الله (صفة الوحدانية بين الإسلام والأديان)

سلسلة تعريفية بالإسلام من خلال عدة مقالات يصحبها مقاطع مصورة، نتناول هنا توضيحا لمفهوم وحدانية الإله في الإسلام

أغسطس 5, 2021 - 10:05
أغسطس 6, 2021 - 05:34
 0

قدمنا فيما مضى توضيحا موجزا عن فكرة الصفات الإلهية في الإسلام، واليوم نتناول الحديث بالتفصيل عن صفة الوحدانية بعدما تناولنا في الحلقة الأولى الحديث عن صفة الوجود.

يطلق العلماء على الصفات التي تنفي عن الله النقائص والعيوب اسم "الصفات السلبية" أي الصفات التي تسلب وتنفي ضدها فإذا قلنا الله موصوف بالوحدانية فإننا نتكلم عن صفة من الصفات السلبية التي تنفي عن الله الشرك في ذاته أو صفاته أو أفعاله، وهذه الصفات السلبية هي القدم والبقاء والمخالفة للحوادث والوحدانية والقيام بالنفس.

وإذا تحدثنا عن الصفة التي لا يتصور الموجود إلا بها فإننا نتحدث عن "الصفة النفسية" التي هي الوجود، فلا يتصور أن يكون الإله موجودا دون أن يتصف بصفة الوجود، وقد شرحنا الوجود في أول هذه السلسة المباركة إن شاء الله.

وإذا تحدثنا عن الصفات التي تضيف للإله معنى محددا فإننا نتكلم عما يعرف باسم "الصفات المعاني" كالقدرة والإرداة والعلم والسمع والبصر والكلام والحياة.

وإذا تحدثنا عن بعض الأمور التي لا يمكن التوصل لمعرفتها إلا بالوحي فإننا نطلق عليها "الصفات الخبرية" وهي الأمور التي لا يمكن للعقل الاستقلال بمعرفتها.

فالعقل مثلا لو فكر فإنه سيصل بعد البحث إلى أن صانع الكون لابد أن يتصف بالعلم، لكن العقل ذاته لو فكر لن يستطيع الوصول إلى أن صانع الكون مثلا موصوف بالاستواء على العرش كما قال تعالى: "الرحمن على العرش استوى" ولابد أن ننتبه إلى أن هذه الصفات الخبرية كالاستواء مثلا..لابد أن ننتبه لتنزيه الله فيها عن المعاني البشرية، فالاستواء على الكرسي عندنا يدل في ظاهره على الجلوس أو القعود على الكرسي أو السرير، لكننا حينما نتكلم عن الاستواء في حق الله فإننا نستبعد كل هذه المعاني التي هي من جنس المخلوقات، ونقول: إن الله أخبرنا أنه استوى على العرش وأخبرنا  أنه ليس كمثله شيء، فنحن نقول إن لله استواء على العرش كما أخبرنا ولكن هذا الاستواء يليق بذاته المقدسة فمعنى الاستواء في حقه ليس مشابها لمعانينا البشرية التي هي الجلوس والقعود، لأن الله قال ليس كمثله شيء، بل هو استواء يناسب ذاته منزه عن مشابهة المخلوقات، وقد اختار هذا الاتجاه إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري، وهو في هذا الاختيار تابع لإمام أهل السنة من قبله الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

هناك اتجاه آخر للعلماء في هذه الصفات الخبرية وهو أن نقوم بتأويلها، والتأويل معناه أن نبحث في اللغة العربية عن معنى لهذه الصفات يصح نسبته لله تعالى، فقال بعض العلماء إن الاستواء هنا يراد به كمال وتمام الملك لله تعالى وحده، وقد اختار هذا الاتجاه فريق كبير من العلماء كالإمام ابن العربي والآمدي والرازي وغيرهم.

لكننا نختار الاتجاه الأول الذي يقر بهذه الصفات لله ولا ينكرها ولا يتأولها ولا يشبه الله بشيء من خلقه، فنقول إن لله وجها ويدا وعينا كما أخبر، لا كوجوهنا ولا كأعيننا ولا كأيدينا، بل كل ذلك على ما يليق به تعالى ليس كمثله شيء، وقد نقل ابن عساكر في كتابه: "تبيين كذب المفتري" عن الإمام الأشعري قوله : "وأن الله استوى على على عرشه كما قال..وأن له وجها كما قال..وأن له يدا كما قال..وأن له عينا بلا كيف" 

الاتجاه الأول يطلق عليه : "مذهب السلف" والاتجاه الثاني يطلق عليه أنه : "مذهب  الخلف"

أما عن وحدانية الله فنعني بها أن الله لا شريك له..نفي التشريك عن الله يعني أنه ليست هناك ذات أخرى مثل ذات الله، كما نعني بها أن ذات الله ليست مركبة من أجزاء مثلما يتركب البشر من أجزاء، كما يعني أنه ليس هناك صفتان لله من نفس النوع فليس لله قدرتان أو إرادتان مثلا، كما يعني أنه ليس هناك أحد يتصف بقدرة مثل قدرة الله، كما تعني أن كل الأفعال التي في الكون هي من خلق الله وحده.

وإذا علمنا ذلك فالمستحق للعبادة وحده هو الله فلا يجوز صرف شيء من العبادة لغير الله، ومن صرف شيئا من العبادة لغير الله فهو مشرك كافر كما قال الله: "ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون" وقال الله: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك" وقال الله: " إن الله لا يغفر أن يشرك به" والآيات في هذا المعنى كثيرة وكذلك الأحاديث النبوية، فلا يجوز تقديم شيء من العبادة لغير الله..لا يجوز أن نعبد سيدنا محمدا ولا أن نعبد سيدنا عيسى ولا أن نقدم العبادة لسيدتنا مريم ولا أن نتعبد لسيدنا موسى أو لملك من الملائكة أو لأي مخلوق..لانتعبد إلا لله وحده.. وإن تعبدنا لغير الله فقد أشركنا مع الله وكفرنا به.

الأدلة على وحدانية الله _وهي تعني كما قلنا عدم الشريك أو النظير لله في شيء من ذاته أو صفاته أو أفعاله- كثيرة فمنها قوله تعالى: "فاعلم أنه لا إله إلا الله" وقوله تعالى: "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم"

فاالله منزه عن أن يكون له والد أو ولد، فليس لله ابن وليس لله والد، كما قال الله في القرآن: "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" 

وقد زعم النصارى أن لله ولدا وأن هذا الولد هو أيضا الله، إلا أنهم يقولون إن الله الولد غير الله الآب غير الله الروح القدس، فزعموا أن الله يجمع بين التوحيد والتعدد، وقد رفض القرآن ذلك المعتقد فقال: "ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد" كما أن التوحيد والتعدد لا يجتمعان، فلا يمكن أن يكون الله شيئا واحدا، وفي نفس الوقت هذا الشيء الواحد هو أشياء متعددة، لا يمكن أن نقول إن الآب هو الله والابن هو الله والروح القدس هو الله، ولكن الآب ليس هو الابن ليس هو الروح القدس، لا يمكن أن نقول إن محمداً هو علي هو زيد، ولكنَّ محمداً غير علي غير زيد في نفسِ الوقت! هذا لا يمكن للعقول قبوله!

رفض القرآن هذه العقيدة رفضا قاطعا، ورد عليها في مواضع كثيرة.

كما رفض القرآن عقيدة الوثنيين الذين يعبدون الحجارة والأشجار والبشر والأصنام ويعتقدون أنها آلهة أيضا تضر وتنفع، لكن هذه الآلهة قد تحتاج لإله آخر أكبر منها! لقد رفض القرآن هذه العقيدة أيضا، وقال لهؤلاء المشركين: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون"

يستدل العلماء على وحدانية الله فيقولون: إن فرضية وجود آلهة أخرى مع الله تؤدي إلى فكرة "إمكانية وجود التنازع أو التعارض بين هذه الآلهة" وفكرة التعارض بين الآلهة يترتب عليها أن لا يحدث مراد الآلهة كلها، فتكون كلها عاجزة، أو يترتب عليها أن يحدث مراد كل الآلهة فيجتمع الضدان أو النقيضان، فمثلا هذا الإله يريد هذه الشجرة حمراء والآخر يريدها بيضاء، فتصير الشجرة حمراء وبيضاء في وقت واحد وهذا تضاد، فيجتمع الضدان وهو محال عقلا، أو يترتب عليها أن ينفذ مراد أحد الآلهة ويعجز الباقون عن إنفاذ إرادتهم، فيصير هذا الذي نفذ مراده هو الإله والبقية ليسوا بآلهة، لأن العاجز أو مسلوب الإرادة لا يصلح أن يكون إلها.

وقد عبر القرآن عن ذلك فقال: "لو كان فيهما  آلهة إلا الله لفسدتا" أي: لو كان هناك آلهة غير الله لفسدت السماوات والأرض..يعني لاختل هذا النظام الكوني البديع المنضبط بقوانين ثابتة لكل شيء.

هذا موجز حديثنا عن الوحدانية كما يصورها الإسلام وكما يعتنقها المسلمون.

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow

دكتور/ عبدالله رشدى باحث في شؤون الأديان والمذاهب بالأزهر الشريف، والمتحدث الإعلامي السابق باسم وزارة الأوقاف.