هذا ما يقدمه لك الإلحاد!

علاقة الإلحاد بالعقل والعلم والأخلاق..هل يتوافق الإلحاد معها أم يهدمها؟

أغسطس 3, 2021 - 08:36
أغسطس 4, 2021 - 07:38
 2

تساؤل مطروح: إن كان هناك من يترك الإسلام ويقدم أسبابه لهذا الفعل فما الذي يمنعنا أن نقدم نحن أيضا أسبابنا التي نرفض لأجلها الإلحاد؟

لابد للفكرة -أي فكرة- حتى تكون مُجدِيَةً أن تتوافق مع العقل والعلم والأخلاق، فإذا ما رأيت فكرة تصطدم بمحور من المحاور الثلاثة السابقة فاعلم أنها فكرة ساذجة عقيمة لن تقدم لك خيرا.

فهل الإلحاد يتوافق مع الثلاثة المذكورة أعلاه؟ أم يصطدم بها اصطداما مباشرا؟

دعوني أعرض على حضراتكم هذه القضية من خلال البحث في مدى التواؤم.

أولا/ الإلحاد والعقل:

قد يبدو لك أول وهلة أنك أمام فكر عقلي راق جديد يحرر العقل من أغلاله ويوقظ العرفان من سباته، فهذا ما يصدره لنا الملحدون دوما، لكننا حين نتعمق مع الإلحاد نجده فكرا لا يحترم العقل ولا يلتزم بمعيار واحد في البحث.

فمثلا قانون "السببية" هو القانون الذي يحكم الكون حتى اليوم فلا يحدث شيء في الكون -الذي هو مادة وطاقة بلغة العلماء المعاصرين- إلا وله سبب أو فاعل أو محرك أو صانع..سَمِّه ما شئتَ.

ومع أن الملحد يوافقنا الرأي في هذا القانون الذي يحكم تصرفات أجزاء هذا الكون، إلا أنه لا يلبث أن يعود القهقرى للوراء ضاربا بهذا المبدأ عرض الحائط ليقول لك: أنا أؤمن أن لكل شيء في الكون تفسيرا علمايا وسببا وصانعا لكنني أؤمن أن الكون كله ليس لديه صانع ولا تفسير علمي لوجوده!

لأنه لو اعترف بوجود صانع الكون فقد اعترف بوجود الإله الذي يَفِرُّ هو من الاعتراف بوجوده، وهكذا يتناقض الملحد تناقضا صارخا.

قد يقول بعض الملحدين..حسنا: هناك صانع للكون، لكن هذا الصانع له صانع آخر، فلماذا تريد أن تجعل أيها المؤمن صانع هذا الكون ليس مصنوعا؟ لماذا تريد أن تخرجه عن دائرة السببية؟

والجواب ببساطة: لأنه ليس من مادة الكون حتى تطبق عليه قوانين المادة الكونية.

قد يعترض الملحد قائلا : ومن أدراك أنه ليس من مادة هذا الكون؟

والجواب: أنه لو كان من مادة هذا الكون فإن ذلك يعني أن الإله موجود قبل وجود مادته التي هو مصنوع منها وفي نفسِ الوقتِ هو صانِعٌ لها! هذا يعني أن يتقدمَ الشيءُ على نفسِه في الوجود! تخيل أن أقول لك: إنتي مخلوقٌ من الطين مع أنني موجودٌ قبل وجودِ الطِّينِ الذي أنا مخلوقٌ منه أصلاً! ولا يخفى ما هذه الفكرة من التهافت العقلي، لذا نقول إن الإلحاد مناقض للعقل.

ثانيا/ الإلحاد والعلم:

دوما ما يتباهى الملحدون بهذه العبارة التي تقول: "أنا أصدق العلم" وهذا في رده على أي مؤمن يقول له إنني أتبع القرآن والسنة، وكأن الملحد يَأْنَفُ أن يتبع هذه العلوم التي تبدو له رجعية قديمة!

فهل هذا المعيار منضبط لدى تعامل الملحد معه؟ هذا ما سنكتشفه معا.

عزيزي القارئ: إن طريق التعرف على المعارف البشرية التي لم نشهدها إنما هو النقل الصحيح، بمعنى أن العقل البشري مصمم على قبول المعلومة المنقولة متى توافرت الأدلة على سلامة النقل.

دعني أضرب لك مثلا: ماذا لو اتصل بك زميلك في العمل قائلا إن المدير يدعوك غدا في الثامنة صباحا لعقد اجماع طارئ؟

ماذا لو اتصلت بك أختك لتقول لك إن أباك أو أمك في المستشفى الآن؟

الحقيقة أنك في كلا المثالين السابقين قد نقلت لك معلومة بواسطة إنسان لديك الثقة فيه - أي توافر لديك الدليل على صدق دعواه- فأنت من خلال معرفتك بزميلك وأختك قد جربت أنهما لا يكذبان عليك، فمتى أخبراك خبرا فإنك تصدق به.

لكن ماذا لو أخبرك رجل لا تعرفه بأن أباك مريض أو في المستشفى؟ هل ستصدقه ابتداء كما في المثالين السابقين أم ستتوقف لتتحرى عن صدق دعواه؟ لاشك أنك ستتحرى عن ذلك لتتأكد من صدق ما ادعاه.

ماذا لو أخبرك شخص معروف بالكذب خبرا ما؟ لاشك أنك لن تكترث لكلامه ولن تصدقه لأنك تعلم من خلال تجربتك أنه شخص معروف بالكذب والتزوير.

هذه الأمثلة تمثل لنا كيف يتعامل العقل البشري مع المنقولات المعرفية، لذا فإن إنكار الملحد للكتب الدينية أو للموروثات التاريخية هكذا بلا دليل إنما هو تحكم واستبداد يرفضه العلم.

المهم أن الملحد يقبل ما هو منشور على الإنترنت من أبحاث علمية لبعض العلماء الذين لا يعرفهم ولم يحتك بهم. ترى لماذا يقبل هذه الأبحاث؟ لماذا لديه هذه الموثوقية بعلوم ومعارف لم يشهدها هو بنفسه وإنما نقلت له؟ لماذا يقبل الملحد صعود الإنسان على القمر مع أنه لم يجرب ذلك بنفسه وإنما رأى بعض صور أو مقاطع مصورة تقول ذلك؟ لماذا لا يقدح في مصداقية هذه الصور وتلك المقاطع؟ أليس الخطأ أو التزوير واردا هنا  أيضا؟ أم أن هؤلاء العلماء معصومون عن الوقوع في الزلل وارتكاب الخطأ؟

الحقيقة هي أن الملحد لديه مفارقة هنا فهو يقبل من المعارف ما تمت صناعته بيد الغربيين لكنه يرفض أو يشكك في أي معلومات تم نقلها بواسطة المسلمين حتى مع توافر الأدلة على صدقها وانعدام وجود ما يقدح فيها!

قد يقول قائل: لكن هذه المخترعات الحديثة تدل على ذلك؟ وهنا يكون الجواب أننا كيف تأكدنا من صحة هذه المخترعات؟ بالتجربة؟ وكيف تأكدنا من صحة جريان التجربة؟ بالمشاهدة؟ وكيف تأكدنا من صحة ملاحظتنا ومشاهدتنا؟ بعقولنا؟ وكيف نتقبل نتيجة صدرت عن عقل هو نتاج العشوائية البحتة التي هي الصدفة التي يؤمن الملحد أن الحياة والعقل قد وجدا بها!؟

طبعا لا أُشَكِّكُ فيما يُفرِزُه لنا العلم إنما أُشَكِّكُ في انضباطِ المعيارِ الذي يتحاكمُ الملحد إليه.

ثالثا/ الإلحاد والأخلاق:

لدينا هنا معضلة كبيرة فالإلحاد لا يمتلك معيارا ثابتا يمكن أن يتفق البشر عليه، الأخلاق في الإلحاد نسبية تتفاوت بتفاوت كل إنسان، وذلك لأن الطبيعة البشرية لم تمنحنا قانونا موحدا لنسير عليه في الكون حينما  أوجدتنا -بزعم الملحد طبعا- بل تركتنا هكذا ومنتحتنا عقولا نفكر بها، وليس بعض العقول بأولى من الآخر، فما يقبله عقلك ليس بالضرورة أن يقبله عقلي...نحن متساويان في الوجود والإنسانية ولا يحق لك أن تفرض رأيك البشري على رأيي البشري أيضا!

قد يقول قائل: وماذا عن مواثيق الأمم المتحدة؟ والجواب: أنها قد تعجبك، لكنها لا تعجب غيرك مثلا، فلماذا تريد أن تفرض على غيرك قبولها؟ هل منحتك الطبيعة حين أوجدتك سلطة أعلى من غيرك لتفرض بها رؤيتك على بقية البشر؟

إن فرض رأي بالقوة على الآخرين -مع الاعتقاد بعدمية الإله وعدمية مصدر إلهي للتشريع- يعد انتهاكا لحق الآخرين، فالآخرون لهم الحق كذلك أن يفعلوا ما يشاؤون، وهنا سنجد أن الإلحاد يقود لفوضوية لا نهاية لها.

أما على الجانب العملي، فإن الإلحاد فكر يؤسس للدياثة!

فإن كنتَ ملحدا فأنت مُلْزَمٌ بقبول حق الآخرين في ارتكاب الفظائع الأخلاقية تحت اسم "الحرية" أنت ملزم أن تقبل بوجود رجل يضاجع ابنك في غرفته في بيتك..ملزم أن تتقبل حرية ابنتك في أن تبيع شرفها لمن شاءت بمقابل أو بدون مقابل..ملزم أن تقبل كل ما يخطر على بالك.

قد يقول قائل: ما الإشكال؟

الإشكال أن انفتاح الجنس بهذه الطريقة يجعل المجتمع غير مقدر للحياة الزوجية ويجعل الشباب في عزوف عن الزواج والإنجاب ويحرم الأنثى حقوقها في أن تحصل على زوج وبيت وأسرة، لذا تجد بعض البلاد الغربية قد شاخت أجيالها وقل تعداد أبنائها من الشباب.

أضف إلى ذلك أن الشذوذ شيء عقيم مخالف للطبيعة، فإنك لو أتيت بجزيرة ووضعت فيها جماعة من الشذاذ رجالا ونساء فإن الحياة ستنتهي في تلك الجزيرة بعد وفاة هذا الجيل الشاذ الذي لن ينتج بالطبع جيلا آخر.

بخلاف ما لو وضعت في هذه الجزيرة رجلين وامرأتين وتزوجا فإن الحياة هناك لن تقف وستأتي بعد قرن من الزمان لتجد حياة عامرة وأطفالا مبهجة ومجتمعا متكاملا.

أخي القارئ: لهذا نقول دوما إن الإلحاد سرطان يقضي في طريقه على العقل والعلم والأخلاق.

ولأجل كل ماذكرناه فإن العقاب الحتمي يوم القيامة ينتظر أولئك الذين قرروا بيع عقولهم وعلومهم وأخلاقهم للشيطان تحت اسم الحرية.

إنني أكتب هذه الكلمات لإخواني وأخواتي من بني الإنسان..عودوا  إلى الله فالإلحاد يجعل من البشر كائنات تعيش بلا هدف وتموت بلا ثمن..منهج يمنح المجرم الراحة في حياته وبعد وفاته، فلا عقاب ولا ثواب.

عودوا  إلى ربكم قبل أن يحتضنكم التراب وتجدوا ما لا تُحْمَدُ عقباه.

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow

دكتور/ عبدالله رشدى باحث في شؤون الأديان والمذاهب بالأزهر الشريف، والمتحدث الإعلامي السابق باسم وزارة الأوقاف.