الإسلام للمبتدئين|الجزء الأول|3-المعجزة والأنبياء

سلسلة تعريفية بالإسلام من خلال عدة مقالات يصحبها مقاطع مصورة. نتناول هنا قضية المعجزة

يوليو 11, 2021 - 18:10
يوليو 11, 2021 - 18:13
 0

تناولنا فيما مضى قضية الاستدلال على وجود الله ومدى تناغمها مع العقل، كما تناولنا فكرة النبوات ومدى احتياج البشر لرسالة من الخالق، إذ بدون ذلك الدستور المعصوم سينشأ الخلل لأن كل الدساتير والقوانين البشرية لا يبعد عنها الخلل لأنها نتاج نفوس بشرية يعتريها الهوى والتحيز، فكان لابد من الاعتصام بقانون معصوم من الخطأ، ولا يمكن أن يكون هذا القانون إلا صادرا عن خالق الكون وصانع العقل.

بعد أن أدركنا أن هناك خالقا وأن هذا الخالق أرسل إلينا رسلا، وجب علينا أن نعرف الأمارة التي بها نتعرف على هؤلاء الرسل والأنبياء.

هذه العلامة هي المعجزة، ولكن قبل أن نخوض في تفاصيل المعجزة فإننا لابد أن نعرف شيئا وهو أن مجمل عدد الأنبياء والرسل هو أمر لا دراية لنا به فالله في القرآن قد قال ذلك لنبيه عليه الصلاة والسلام: " ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك" وتكرر هذا المعنى في سورة البقرة وسورة غافر كذلك.

إلا أنه وردت نصوص تفيد أن مجمل عدد الأنبياء هو مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، وأن عدد الرسل من هؤلاء الأنبياء هو ثلاثمائة وخمسة عشر رسولا.

لكن النص الذي يفيد مجمل عدد الانبياء هو نص مختلف في ثبوته، بخلاف النص الآخر الذي ذكر عدد الرسل فسنده صالح للاحتجاج به.

لكن الذي ورد في القرآن هو ذلك العدد المعروف وهم خمسة وعشرون رسولا نبيا، وقد ورد ذكر ثمانية عشر منهم في سورة الانعام كما قال الله: "وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ" ويبقى سبعة وهم إدريس، وهود، وشُعيب، وصالح، وذو الكفل، وآدم، ومُحمد عليهم الصلاة والسلام جميعا، فقد ورد ذكر هؤلاء السبعة في آيات أخرى في القرآن الكريم.

ربما وردت بعض الأسماء في السنة كذلك لبعض الأنبياء مثل: سيدنا شيث بن سيدنا آدم عليهما السلام، ونبي الله يوشع بن نون عليه السلام.

الحاصل أن الله لم يخبر نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام بأسماء هؤلاء الرسل والأنبياء تفصيلا، بالتالي فنحن لا نعرفهم كلهم، وإنما نعرف منهم من ورد ذكره في القرآن أو السنة.

ربما تجد ذكرا لبعض الأنبياء في الكتب السابقة، فماذا نفعل؟

نقرأ هذا الأمر ونفوض حقيقته إلى الله فالله أعلم بصحة هذا النص من عدمه، لأننا كمسلمين لا نعترف بكتاب سماوي صحيح اليوم إلا القرآن، نعم نعترف بأن الله أنزل الكتب السابقة على القرآن، فمن صميم أركان الإيمان أن تؤمن بكل الكتب السماوية السابقة، فنحن نؤمن بنزول هذه الكتب، لكننا لا نؤمن بأنها اليوم موجودة على الحالة التي نزلت عليها.

فلأجل ذلك نقرأ هذه النصوص ونقول: الله أعلم، قد يكون هذا الرجل الموصوف بأنه نبي..قد يكون نبيا حقا وقد لا يكون.

لماذا؟ لأنه ليس لدينا نص يشهد لصحة ذلك من القرآن، ولهذا فلا حرج أن نذكر قصص أهل الكتاب، وأن نحدث عنهم لكن دون أن نجزم بصحة ما ورد عنهم في قصصهم.

وقد بين لنا هذا الأمر الصحابي الجليل أبوهريرة رضي الله عنه الذي أخبرنا فقال: " كانَ أهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بالعِبْرَانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَهَا بالعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ، وقُولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الآيَةَ."

نعود إلى موضوعنا وهو: "المعجزة"

المعجزة هي العلامة الدالة على صدق الشخص الذي ادعى أنه أنبي‘ فهي أمر خارق للعادة البشرية المعروفة، هذا الأمر يظهره الله تعالى على يد إنسان، هذا الإنسان يكون قد ادعى أنه نبي، فتأتي هذه المعجزة للتدليل على صحة دعوى هذا النبي، كما تأتي دوما مقرونة بالتحدي لهؤلاء الذين جاءهم النبي..تأتيهم مقرونة بالتحدي بمعنى أنه لا يستطيع أحد منهم أن يصنع مثل هذه المعجزة.

وهنا نود أن نبين أمورا:

أولا/ المعجزة لا تخرق العقل بل تخرق العادة، فمثلا العقل يقول إن الواحد نصف الاثنين فلا يمكن أن يأتي نبي ليقول إن الواحد ربع الاثنين، لأنه بذلك يدمر العقل الذي هو وسيلة الاستيعاب، إنه يدمر العقل الذي يفترض به أن يبحث ليصل إلى صدق معجزة النبي، فكيف تطلب منه أن يصدق بعقله نبيا يأتيه بعكس ما فطر الله العقول عليه!؟

لكن النبي يأتي بأمر لا تألفه العادة، فمثلا قد ينقلب الحجر إلى ذهب أو ينتقل النبي من مكان إلى مكان آخر في وقت قصير كما حدث في رحلة الإسراء والمعراج.

لماذا؟ لأن العقل لا يستحيل عليه أن يتصور حدوث هذه الامور، والواقع خير دليل، فمنذ مائة وخمسين سنة مثلا ما كنا نصدق ان يمكن لهذه المواد أن تنقل لنا صورة حية حول العالم بان يتهاتف جماعة بالصوت والصورة!

لكن العلم تطور اليوم وصار هذا ممكنا.

المعجزة تصنع مثل هذه الامور لكن مع انعدام الأسباب المادية الموصلة إليها..هذا هوالفرق بين المعجزة التي هي خارقة للعادة وبين الأمور المناقضة أو الخارقة لما تقتضيه العقول.

ثانيا/ النبي هو ذلك الرجل الذي أوحى الله إليه بشيء سواء أمره أن يبلغه لغيره أم لا، فإن لم يأمره بأن يبلغه للناس فهو نبي فقط، وإن أمره أن يبلغه للناس فهو نبي ورسول معا.

نكمل الحديث في المقال القادم إن شاء الله عن صفات الأنبياء التي تجب لهم، أي التي لابد أن يكونوا متصفين بها.

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow

دكتور/ عبدالله رشدى باحث في شؤون الأديان والمذاهب بالأزهر الشريف، والمتحدث الإعلامي السابق باسم وزارة الأوقاف.