إثبات الصفات الخبرية عند الأشاعرة وابن تيمية

نلقي الضوء على قضية الصفات الخبرية بين الأشاعرة وابن تيمية

يوليو 10, 2023 - 22:54
يوليو 10, 2023 - 23:38
 3
إثبات الصفات الخبرية عند الأشاعرة وابن تيمية

نتعمد دوماً التأكيد في صفات الله على أنها ثابتة له كما ورد عن متقدمي السلف دون تشبيه أو تأويل.

وذلك لأننا ابتلانا الله هذا الزمن بأقوام صاروا يصفون كل من أثبت لله الصفات الخبرية -على ما يليق به دون تأويل أو تشبيه- بأنَّه مُجَسِّم.

وهذا ينمُّ عن جهلهم بوجوه الاعتقاد في هذه المسألة عند الأشاعرة، ويَنُمُّ كذلك عن جهلهم بماهية المُجَسِّم.

فصار من يقول عندهم "الله في السماء مستو على عرشه بائن من خلقِه" صار عندهم في عِداد المجسمة وإن كان بعضهم يتحاشى التصريح بذلك كي لا يُحتَجَّ عليه بكلام السلف ومُتَقَدِّمي الأشاعرة.

المجسم هو من يقول بأن الله جسمٌ، وأن استواءه على العرش كاستواء المخلوقات ونحو ذلك من كون السماء محيطة به وكونه مستقراً على العرش كاستقرارنا البشري المعهود ونحو ذلك.

أما من يُثبتُ لله الاستواء والفوقية ثمَّ هو لا يُجسِّمُ ولا يقول استواؤه كاستوائنا، فقد قال صِدقاً واعتقَدَ حَقَّاً.

وهذا الوجه -أعني الإثباتَ لهذه النصوص على أنها صفاتٍ- وهو أحدُ اختياراتٍ ثلاثةٍ في المذهب.

أحدها هذا الإثباتُ مع التنزيه ويمثله الباقلاني ومن نحا نحوَه، والثاني التفويض مع التنزيه والكف عن التأويل ويُمثِّلُه الجويني ومن وافقوه، والتأويل ويمثله الآمدي وكثرةٌ من المتأخرين.

وبأبسط نصٍّ عند الأشاعرة تجدُ ذلك "الإثبات" موجوداً واضحاً

على سبيل المثال؛ هذا النصُّ من شرح المقدمات؛ تَمَعَّنوه جيداً، فهو يتكلم عن مشكلة النصوص التي يُوهِمُ ظاهرُها المشابهة، فيذكر فيها ثلاثة مذاهب؛ تعالوا نقرأ المذهب الثالث:

"..المذهب الثالث: حمل تلك المشكلات على إثبات صفات لله تعالى تليق بجلاله وجماله لا يعرف كنهها ، وهذا مذهب شيخ أهل السنة الشيخ أبي الحسن الأشعري"

فتثبتُ -بناء على هذا النصِّ- الاستواء مثلاً صفةً لله، وهذه الصفة هي على ما يليق بذات الله فلا يُعرَفُ كنهها، ثمَّ هذا الإثباتُ لهذه الصفاتِ هو مذهب الإمام الأشعري.

علينا أن نُعَلِّمَ هذه الحقائق للطلبة كيلا نصطدمَ بجيل يعتقد أن إثباتَ هذه الصفات مع التنزيه تجسيمٌ.

لكن هنا قد ينشأ سؤال وهو: إذا كان الأمرُ كذلك فما الفرق بين إثباتِ ابن تيمية وإثباتِ الأشاعرة!؟

والجواب: إثباتُ ابن تيمية يبدأ مما تنفيه الأشاعرة وإثبات الأشاعرة يبدأ مما ينتهي له ابن تيمية.

وشرحُ ذلك أنَّ ابن تيمية يقرأ مثلاً "الاستواء" فينطلق مقرراً أنَّ الاستواء في حق الله هو على معناه في لغة العرب، فإذا ما قيل له إذن أنت تُثبِتُ هذا الاستقرار المعهود!؟ أجابك قائلاً: ليست صفاتُه شيئاً من جنس صفات المخلوقات.

وهذه النتيجة التي ينتهي إليها ابنُ تيمية من كونِ صفاته ليست شيئاً من صفاتِ المخلوقين؛ هذه هي الحقيقة التي يبدأ بها الأشاعرةُ، فهم يقررون بدايةً أنَّ معانيَ هذه الصفاتِ ليستْ شيئاً من جنس صفاتِ المُحدَثاتِ، وعلى ذلك لا يستسيغون إثبات ابن تيمية وإن انتهى لأنَّ صفاتِه ليست شيئاً من جنس صفاتِ المخلوقات، ذلك لأنه بإثباته هذا يقرر اشتراكاً في المعنى وإن صرح بنفي التشبيه، وهذا الاشتراك في المعنى قد قطع الرازي وغيره بنفيه.

لعل من الإشكالات -أيضاً- هنا أنَّ ابن تيمية ينكر المجاز، فلربما ترتب على ذلك أن تبادرَ إلى أذهان بعض الناسِ أنَّه حين يقول في صفاتِ الله إنها "حقيقة" فإنه يعني هذه الحقيقة المشهودة لنا والتي إثباتُها هو عين التجسيم!

إلا أنَّ ابن تيميةَ لا يتغَيَّى ذلك بقوله "حقيقة" بل غاية مراده هو أنَّ الكلام -مجازه وحقيقته- هو كله حقيقة عند ابن تيمية.

فحين تقول عن الشجاع "أسد" فهذا حقيقة عند ابن تيمية ويتحدد المراد من وصف "أسد" بحسَب السياق.

وحين تقول عن الحيوان المعروف "أسد" فهذا أيضاً عنده حقيقة ويكون معرفة المراد أيضاً وهو الحيوان المعهود من خلال السياق.

هذا هو اصطلاحه الذي خالف فيه المتكلمين، فلربما ساق ذلك إلى شيء من رميه بالتجسيم و الذي أعتقد أنه ليس من مذهبه.

قد يقع الاختلاف حول كون ابن تيمية مجسماً؛ هذا وارد، لكنه لن يقع الاختلاف حول ذمِّ التجسيم والمجسمة.

هدوء النفسِ في البحث مطلوبٌ، فالباحثُ الذي يتقصَّدُ توجيه نتيجة بحثِه نحو ما يعتقدُه سَلَفاً لن يتوصل في النهايةِ إلى حقيقةٍ يرضى عنهاويقنعُ أنه بذل لأجلها وُسْعَه.

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow

دكتور/ عبدالله رشدى باحث في شؤون الأديان والمذاهب بالأزهر الشريف، والمتحدث الإعلامي السابق باسم وزارة الأوقاف.